في خطوة غير مسبوقة بتاريخ الطب الحديث، نجح جراحون باستخدام تقنية تُعرف بـ التحفيز العميق للدماغ في إعادة إحياء الألياف العصبية الخاملة في الحبل الشوكي، مما أعاد الأمل لملايين المصابين بالشلل حول العالم. فقد أفادت تقارير موثوقة، منها موقع “سكاي نيوز”، أن مريضين كانا يعتمدان بالكامل على الكرسي المتحرك تمكنا من المشي مجددًا لمسافات قصيرة وحتى صعود السلالم بعد زراعة أقطاب كهربائية دقيقة في أدمغتهما.
بداية الرحلة: تجارب على البشر بعد نجاحها على الحيوانات
بدأت التجربة على يد علماء الأعصاب في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان (EPFL)، حيث ركز الفريق البحثي على دراسة منطقة “تحت المهاد” في الدماغ. هذه المنطقة الصغيرة تُعتبر أساسية في التحكم بالوظائف الحيوية، ولكن المفاجأة كانت في اكتشاف منطقة مجاورة لها تؤدي دورًا حاسمًا في تحفيز القدرة على المشي، وهو اكتشاف غير متوقع قلب التوقعات العلمية السابقة.
نجاح أولي: من القوارض إلى البشر
بعد سلسلة اختبارات ناجحة على الفئران، اعتمد العلماء الذكاء الاصطناعي لرسم خرائط دقيقة للمسارات العصبية. سمح هذا النهج الدقيق بتحديد الخلايا العصبية المسؤولة عن تحريك الأطراف السفلية، وفتح الباب لتطبيق التقنية على البشر. وكانت أولى النتائج مبشرة، إذ أظهرت المريضة الأولى استجابة فورية فور بدء التحفيز الكهربائي، إذ صرحت بقولها: “إنني أشعر بساقي.. أشعر برغبة في المشي”.
تجربة مرضى الشلل: نظرة عن قرب
المريض الأول، لفجانج جيغر البالغ من العمر 54 عامًا، والذي أُصيب بشلل تام في أطرافه السفلية إثر حادث تزلج عام 2006، يمثل أحد النماذج الناجحة. بعد عامين من زراعة الأقطاب الكهربائية وخضوعه لجلسات علاج طبيعي مكثفة، استطاع جيغر المشي لمسافات قصيرة وصعود السلالم بمساعدة أدوات بسيطة. وفي تصريح مؤثر قال:
“إن التكنولوجيا تتطور شيئًا فشيئًا، وأعتقد أن حلم التخلص من الكرسي المتحرك أصبح حقيقة قريبة رغم التحديات”.
التقنية: كيف تعمل؟
تعتمد تقنية التحفيز العميق للدماغ على زراعة أقطاب كهربائية دقيقة تُرسل إشارات محددة إلى المناطق العصبية المستهدفة. ويُجرى هذا الإجراء تحت التخدير الموضعي لضمان تفاعل المريض أثناء الجراحة، حيث يتأكد الجراحون من الوصول إلى الموضع الصحيح عبر مراقبة الاستجابات التحفيزية.
وأشار البروفيسور جريجوري كورتين، كبير علماء الأعصاب في فريق البحث، إلى أن هذا الاكتشاف أثبت أن الدماغ هو المحرك الأساسي في التعافي من الشلل عبر تنشيط الألياف العصبية السليمة المتبقية.
الطريق إلى المستقبل: طموحات وأمل جديد
على الرغم من أن المرضى لم يتعافوا بشكل كامل، إلا أن القدرة على المشي ولو لمسافات قصيرة تُعد إنجازًا عظيمًا. يأمل العلماء في أن يؤدي الجمع بين تحفيز الدماغ والحبل الشوكي في المستقبل إلى تحقيق نتائج أكثر تقدمًا، مثل المشي لمسافات أطول وبوتيرة أسرع.
وفي ظل هذا التطور، يتوقع الخبراء أن تتحول هذه التقنية من إنجاز بحثي إلى علاج عملي يُمكن اعتماده عالميًا، مما يُعيد الأمل لعشرات الملايين من مرضى الشلل حول العالم.
إن تقنية التحفيز العميق للدماغ ليست مجرد تقدم طبي فحسب، بل هي خطوة نحو مستقبل يمكن فيه التغلب على قيود الإعاقة. هذا الاكتشاف يؤكد مجددًا قوة الابتكار العلمي في إحداث تغيير جذري بحياة الإنسان، ليبقى الأمل حاضرًا مهما كانت التحديات.