تعد السرطانات من أبرز التحديات الصحية التي تواجه العالم الحديث، إذ تتسبب في معاناة ملايين الأشخاص سنوياً. ولعل سرطان القولون والمستقيم، الذي يحتل المرتبة الثالثة بين أكثر أنواع السرطان انتشاراً وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2020، يمثل نموذجاً معقداً من حيث التشخيص والعلاج.
في تطور لافت، تمكن علماء من معهد كايست الكوري الجنوبي من تقديم تقنية جديدة ثورية تعتمد على تحويل خلايا سرطان القولون إلى خلايا طبيعية دون الحاجة إلى تدميرها. هذا الابتكار الجذري يقدم فرصة لإعادة صياغة مفهوم علاج السرطان، متجاوزاً الأضرار الجانبية التي تسببها العلاجات التقليدية مثل العلاج الكيميائي والإشعاعي.
مفهوم “التوأم الرقمي” في علاج السرطان
تعتمد التقنية الجديدة على مفهوم التوأم الرقمي، وهو محاكاة افتراضية للشبكات الجينية للخلايا الطبيعية. يتيح هذا النظام الرقمي دراسة العمليات التي تفقد من خلالها الخلايا السرطانية خصائصها الطبيعية، مما يمكن العلماء من تحديد الجينات والمفاتيح الجزيئية القادرة على إعادة برمجة الخلايا المصابة.
آلية عمل التقنية
أظهرت الأبحاث أن الخلايا السرطانية تفقد تدريجياً سماتها الطبيعية نتيجة لتغيرات جينية معقدة. ومن خلال التوأم الرقمي، تمكن الباحثون من تحديد الأسباب الجذرية لهذه التغيرات وتطوير أدوات لإعادة الخلايا إلى حالتها الطبيعية.
أكد البروفيسور كوانغ هيون تشو، قائد الفريق البحثي في معهد كايست، أن التقنية الجديدة لا تسعى إلى القضاء على الخلايا السرطانية، بل تهدف إلى إعادة ضبط نشاطها الجيني بشكل يمكنها من العودة إلى حالتها السليمة. وأشار إلى أن هذا النهج، المعروف باسم “العلاج العكسي للسرطان”، يقلل من احتمالية عودة المرض عبر معالجة جذوره الجينية.
فوائد العلاج العكسي للسرطان
تتميز هذه التقنية بعدة مزايا تجعلها بديلاً واعداً للعلاجات التقليدية:
- تقليل الآثار الجانبية: بتجنب تدمير الخلايا السرطانية، لا تتعرض الخلايا السليمة للضرر.
- خفض معدل عودة المرض: يعالج العلاج العكسي الجذور الجينية للخلل، مما يقلل من احتمالية تكرار الإصابة.
- تعدد الاستخدامات: يمكن تطبيق هذا النهج على أنواع أخرى من السرطان، ما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الأورام بشكل عام.
رؤية مستقبلية
يعتقد الباحثون أن هذا الابتكار سيمهد الطريق لتطوير علاجات أكثر أماناً وفعالية، خاصة مع استمرار التجارب المخبرية والدراسات السريرية. ومع تقدم البحث العلمي، قد نشهد قريباً اعتماد هذه التقنية كجزء أساسي من البروتوكولات العلاجية لمواجهة السرطان.
لا شك أن هذه الخطوة تمثل بارقة أمل لملايين المرضى حول العالم، وتجسد إنجازاً علمياً يثبت أن التكنولوجيا يمكن أن تكون الحليف الأقوى في معركتنا ضد الأمراض المزمنة والمستعصية.